top of page
صورة الكاتببثينة اليوسف

هل مسموح ان تحزني على جنينك المجهض؟


خرجت يوماً مع سيدة فريدة من نوعها، و قلما اقابل من يثير اعجابي و دهشتي مثلها!


قابلتها اول مرة امام مدرسة طفلي،تعرفت عليها و اتفقنا ان نخرج يوماً مع الأطفال و قد كان!


صغيرة في السن من الصومال، عندها ثلاثة أطفال و تبدو و كأنها اختهم الكبرى ماشاء الله، تربيهم و تعيش بمفردها معهم، خجولة و صوتها منخفض، حدثتني بإستحياء في ذلك اللقاء تفاصيل كثيرة عن حياتها و بان لي ان الحياة عجنتها حتى تشكلت على ماهي عليه الان، من جملة ما ذكرت كان قصتها مع حملها الأول.


كانت تحمل توأماً، و في شهرها السابع زفوا لها خبراً صدمها، لقد توفي احد اجنتها في رحمها و عليها ان تصبر عليه الى ان يحين موعد الولادة، حكت لي عن شعورها المؤلم الغريب و هي تحمل ابناً حياً يرزق و ابن اخر فاقد للحياة لمدة شهرين تقريباً، اضطرت خلال هذه الفترة ان تدخل عملية لفصل الجنينين عن بعضهما حتى لا تتأثر صحة الجنين السليم، و بعد ولادتهما سمحوا لها ان ترى و تحمل جنينها المتوفى لتودعه، ثم تلتفت و كأن شيئاً لم يكن لتعتني بمولودها الجديد الذي لم يولد بصحة جيدة و كان يحتاج الكثير من الرعاية الطبية.


كان الحزن يشع من عينيها و هي تتكلم، ذكرتني قصتها المؤلمة بوالدتي الحبيبة الصبورة التي فقدت جنينتها في الشهر السادس بعد وفاة والدي -رحمه الله تعالى- بأيام قليلة، ربما جسدها لم يحتمل هول الصدمة و اضطر الطاقم الطبي ان يولدها، و قد فقدت قبل ذلك جنين مكتمل النمو في شهره التاسع.


وصديقتي مكلومة الفؤاد التي فقدت جنينها في الشهر الخامس و مازالت الى الان تشير اليه بإسم دلعه "حمودي الله يقبله" عندما تتحدث عنه.

 

كم من الألم تتحمله الأم التي تترقب و تعد الأيام و الليالي لتلتقي بطفلها ثم يرحل عنها بلا وداع؟


كيف يتوقع منها ان تعود لحياتها السابقة و هي التي رجعت بعد الولادة الى بيتها خالية اليدين، تمر بمرحلة النفاس كاملة وحيدة، بتعبها و آلامها النفسية و الجسدية، و عليها في هذه الأثناء ان تهتم بأطفالها الاخرين -اذا كان لديها اطفالاً- و هي تضع قناع يخفي مشاعرها حتى تستمر في الحياة و تقوم بمهامها الأخرى و تعيش!


ان تمر بتجربة مليئة بالترقب و ترى نهاية النفق المشرقة و هناك شيء جميل ينتظرك في ذلك المكان، ثم قبل ان تخرج منه للجهة الأخرى ينسد امامك المخرج و تعود ادراجك خالي الوفاض لعمري هذه من اصعب التجارب، و لكن ان تكون وفاضك خالية من طفلك فذلك ألم لا يمكن وصفه!


بالرغم من اني لم امر بهذه التجربة،و اسأل الله العلي القدير الا يكتبها عليَّ و لا على اي احد، و لكن أكاد اجزم ان الكثير سيقول لتلك الأم المكلومة الا تحزن لأن الطفل رحل و هو جنين، و لكن من قال ان الجنين هين؟ مشاعر الحب و التعلق تبدأ منذ البداية، قد تكون حتى قبل ان تشعر بأول "رفسة" من قدمه الصغيرة، الترقب و التفكير فيه لا يتوقف، تختار له الإسم و الملابس و تجهز له العدة و العتاد، تسعة أشهر كلها تدور حول هذا الطفل الساكن في رحمها، تحس به و تكلمه و قد يتفاعل معها بحركته، كيف لها ان تنساه بين ليلة و ضحاها؟

 

يالصبر و جلد الأمهات اللواتي يمرُّن بهذه التجربة، و يالصبر الوالدين الذين يمرون بفقد طفل و ليس جنيناً!

شاهدت مرة مقطع على اليوتيوب لأمهات و أباء فقدوا ابنائهم او بناتهم، و قال احدهم جملة عصرت قلبي و لم اتمالك دموعي عندما سمعتها:

"يطلقون على من فقد احد والديه "يتيماً"، لماذا لا يوجد كلمة تعبر عن الأب او الأم الذين فقدوا احد ابنائهم؟ الموضوع مؤلم جداً و يجب ان يكون لنا اسم يعبر عن فقدنا"

بحثت كثيراً عن هذا المقطع و لم اجده للأسف.


في مقطع الفيديو التالي تعجبت من صبر فاليشيا و هي أم لطفل في السابعة من عمره، و لكنها فقدت ثلاثة أجنة قبل ان تنجب طفلها، تكلمت بكل شفافية عن مشاعرها، و كيف تعامل الناس معها و كيف كان وقع هذه الإجهاضات على زوجها و مشاعره، و شعورها الان كأم و كيف تغيرت حياتها. فاليشيا بكت و هي تتحدث عن تجربتها بالرغم من مرور اكثر من ١٠ سنوات.


 

الله ارحم بعباده

فقدان طفلك او جنينك أمر جلل و لذلك الصبر عليه عظيم عند الله سبحانه و تعالى، فقد خص بالذات الوالدين الذين يفقدون أبنائهم، ثم يصبرون و يحتسبون، يشكرون الله و يحمدونه و يصبرون على مصابهم ان لهم اجر غير محتسب و عاقبة حميدة في الآخرة.

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد". سمى الله سبحانه و تعالى الأبناء "ثمرة الفؤاد"، و لا ابلغ و لا ارق من هذا المسمى لمشاعر الوالدين تجاه ابنائهم، و جزاء من يصبر على فقدان ثمرة الفؤاد بيتاً في الجنة، سبحانك ربي ما أكرمك!

و ذكر أيضاً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة". و قيل ان كل عمل يعرف ثوابه الا الصبر حيث قال سبحانه و تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].


 

الجلد و القوة و الصبر عند كل من فقد طفلاً لو وزع على العالم أجمعه لكفاهم و اذهب عنهم السخط في المصائب و مسح على قلوبهم و كساها بالطمئنينة و الراحة لحكم الله و رضا بالبلاء و ترقب العاقبة الحميدة. تلك هي القوة الخارقة التي يحتاجها عالمنا!

 

ملاحظة: كتبت هذه المقالة بالتزامن مع مقالة سارة الجريسي التي تجدونها هنا، و كان موضوعنا هذا الإسبوع هو "القوة الخارقة التي يحتاجها عالمنا"، ارجو ان اكون قد اصبت ما تعنيه هذه الجملة!

 

في نهاية هذا الحديث المؤلم المليء بالرضا و الحمد، اتركوا تعليقاً يمسح على قلوب من يقرأون و قد مروا بتجربة مماثلة.

و غداً ألقاكم في مقالة يومية جديدة!


١٧١ مشاهدة٠ تعليق

Комментарии


أحدث المقالات

للاشترك في النشرة البريدية

للإشترك في النشرة البريدية

bottom of page