top of page
  • صورة الكاتببثينة اليوسف

٣ رمضان، في وداع رئتي الحبيبة

لدي اصدقاء قليل و معارف كثر في هذا العالم، بعض هذه العلاقات ظاهر و يعرفها من حولي، و هناك البعض منها احتفظ به لنفسي فقط.

منذ بداية السنة اكتشفت علاقتي العاطفية بجسدي، و لا اقول ذلك عن وجهي او ملامحي الظاهرية التي احبها بطبيعة الحال، و لكن ما اعنيه هو اعضاء جسدي الداخلية!

في الشهرين المنصرمين كنت في رحلة بحث محمومة عن تشخيص لأعراض اعاني منها منذ فترة طويلة، و شخصني طبيب الغدد الصماء بمرض نادر يسمى كوشينغ Cushing، هذا المرض شرحه يطول و قصتي معه اطول، قصة مليئة بالمفارقات و المصادفات التي كانت لطف من الله و رحمة.

 

هذا المرض بإختصار يسبب خلل في هرمون الكورتيزول و هو الهرمون الذي يفرزه الجسد اثناء التوتر و القلق، و يكون سببه في الغالب هو ورم في الدماغ على الغدة النخامية و حله هو ازالة ذلك الورم. و لكن في حالات نادرة قد لا يجدون ذلك الورم و يكون مسببه ورم خارج الدماغ، قد يكون في الرئة او الأمعاء او البنكرياس، و هذا الورم هو الذي حفز الافراز العالي للكورتيزول من الغدة النخامية و الكظرية!! و "قالوا وين اذنك يا جحا؟ قال هنا!! و لف يده حول رأسه!😄"


و هذا ما حدث معي، وجدنا الورم بعد الاشعات المتعددة التي قمت بها للبحث عن هذا اللا"كنز" المدفون في مكان ما في جسدي، وجدناه في احدى الأشعات يطل علينا بكل خبث من زاوية صغيرة في رئتي اليسرى، و عندما اقول بكل خبث فأنا اعني انه فعلاً ورمٌ سرطانيٌ خبيث مختبئ هناك بصمت و يرسل اشارات يحاول ان يلفت الإنتباه لنفسه بدون ان يصرح بالألم او اي من الأعراض الأخرى!

 

بعدما وجده الطبيب في الأشعة، حولني على طبيبة و جراحة صدرية، ذهبت اليها في موعد لم يكن وقعه لطيفاً علي بالرغم من لطافة الطبيبة و فريقها الطبي، استقبال خبر ان الورم خبيث كان صادماً و لكن العملية كانت صادمة اكثر بكثير!

قالت لي انها لن تستأصل الورم لوحده فقط، بل ستأخذ معه جزء لا يستهان به من رئتي اليسرى !


يا حبيبتي يا رئتي الصغيرة، تلك المسكينة ستخرج من جسدي و تترك بيتها و رفاق دربها رئتي اليمنى و قلبي الذي ينبض فوقها طوال ٣٦ سنة .


وبمناسبة ذكر سنوات عمري الستة و ثلاثين، هل تعلمون ما هي المفارقة العجيبة؟ ان العملية مجدولة في يوم ٣ رمضان و هو يوم ميلادي بالهجري! يعني انها ستودعني في اليوم الذي خرجت معي فيه من رحم أمي!

 

اكتشفت في ذلك اليوم مقدار حبي لرئتي، و ان علاقتي معها اعمق من مجرد رئة و عضو موجود بداخلي و خلاص، رئتي اعطتني اكثر مما استحق بكثير، و ذلك كله يعود لله و فضله و منته علي بصحتها و عافيتها الى ان انهت مهمتها و حان وقت وداعها!

اودعها، تلك القطعة الوردية النظيفة من جسدي، التي رافقتني في كل نفس من انفاسي، تعبئت بكميات ضخمة من الهواء لتجاري حبي للتزلج و السباحة، و ركضي و لعبي كرة القدم في طفولتي!

اشكر الله على انه اهداني اياها،رئة كانت تعمل بكل اتقان، قاومت ربو الطفولة و العديد من الفايروسات الشرسة و الحساسية من القطط و الحيوانات، رافقتني في نوبات هلعي و هدئتني في لحظات القلق و تجاوبت مع تمارين التنفس، استمتعت معها بالهواء الطلق على الشواطيء و في الجبال التي زرتها في اجازاتي، تنهدت معي في لحظات مليئة بالمشاعر، رافقتني في شهقاتي و بكائي، و في ضحكاتي القوية التي اكتمها بها، و هذه الضحكات بالمناسبة هي اكثر بكثير من البكاء الحمد لله 😄💕، لذا اعتقد ان رئتي كانت سعيدة كذلك و هي بداخلي، فقد اهتميت بنظافتها و لم اعرضها لأي شيء يضايقها عن عمد، و اعتقد انها سامحتني انني عرضتها غصباً عني لعواصف الغبار في الرياض!

اعتذر منك يا حبيبتي قبل ان تودعيني، و ما حدث لم يكن بيدي و لا بيدك انما هو قدر و ابتلاء و هدية من الله لإختبار ايماني و لن اضيع هذه الهدية فقد اشهدته سبحانه انني رضيت و توكلت عليه!


اشكر الله الرازق الوهاب انه وهبني اياك و متعني بك و حان وقت وداعك💕و اسأل الله ان يعوضني خيراً و يتم علي صحتي و يمتعني بها و يبارك فيما تبقى من رئتي!



هذه تدوينة مجدولة، اذا نشرت سأكون وقتها ان شاء الله في العملية او ما بعدها، لذا اطلب منك يا من تقرأ هذه الكلمات ان تدعو لي ان تكون برداً و سلاماً علي و اخرج منها بعافية.

سأنقطع عن التدوين حتى استرد صحتي و عافيتي و من ثم سأعود بإذن الله!


اشكركم مقدماً على ذلك 💕

٦٩٢ مشاهدة

أحدث المقالات

للاشترك في النشرة البريدية

للإشترك في النشرة البريدية

bottom of page