top of page
  • صورة الكاتببثينة اليوسف

أجبان و ألبان بن مسلول- قصة قصيرة

تاريخ التحديث: ١١ يناير

لسع لساني الشاي الحار، بلعته مثل الزقوم و التفتت لأرى زوجتي و هي تُلسع كذلك، سمعتها تتمتم بلعنات علي و على أشكالي، ثم رمقتني بنظرة متوعدة و قالت "حسابي معك بعد البرنامج"!


كنا نشاهد برنامج "مسابقات أجبان و ألبان بن مسلول"، هذه المسابقة هي حديث الموسم بعد إعلانهم عن جوائز بملايين الدنانير، ثم دسوا في بعض اجبانهم رقائق برونزية اذا وجدتها تدخل في السحب على مليون. كل من في المدينة اصيب بالسعار الجُبني، و بدأوا بشراء الأجبان بالجملة، يأكلونها و يشربونها بعد تخفيفها بالماء، عجنوها و دهنوا بها اجسادهم و شعورهم، وضعوها على ركبهم و اكواعهم، و استعملوها بكل الطرق التي تخطر على بالك في سبيل ان يجدوا تلك الرقاقات!

و اليوم هو اليوم الموعود، سنعرف من فاز بتلك المبالغ الضخمة!


صدحت من سماعات تلفازنا الموسيقى الافتتاحية لبرنامج المسابقات، رفعت زوجتي الصوت حتى اصبح "الأنتل" الحديدي يهتز برتابة و كأنه يرقص على تلك النغمة السخيفة، ظهر المسرح على الشاشة و قفز من اليمين المذيع "مسفع ال نبيطة" المعروف بتقديم هذا النوع من المسابقات، حاملاً في يده مايكرفوناً قرمزياً مشابه للون بذلته المخملية، صرخ بصوته الجهوري " مسااااء الخير عليكم يا جمهورنا الأعزاء!" و سرد بعدها ديباجة يحفظها و يكررها على مسامعنا في كل مرة يظهر فيها على الشاشة، لا جديد سوى طريقة قفزه التي يتفنن فيها، فتارة يقفز مثل طفلة تنط الحبل و تارة يقفز مثل طفل يقاوم رغبة الدخول الى الحمام، و كهذا!

سرحت في خيالي و انا اسمع صوت الفصفص يقرقش في فم زوجتي و تتبعه ببصقة في الصحن الذي امامها، تصيب الهدف احياناً و لكن اغلب قشور الفصفص كانت حول الصحن، رفعت عيناي للشاشة عندما سمعت صوت الطبول التي تقرع ايذاناً بقرب إعلان اسم اول فائز!

" و الفائز الأول بأول مليووووووون يا مليووووون، من يا ترى من؟؟" و اخذت الكاميرا تصول و تجول بين وجوه الحضور و المرشحين للجائزة الجالسين في مقاعد الجماهير.

"الفاااااائز هو...." و اخذ نظرة على ورقة في يده ثم اغمض عينيه و صرخ "مغلدم المنفساني، فليتقدم مغلدم الى المسرح"، ثم بدأ مسفع ال نبيطة يقفز في دوائر و يهمس في المايكرفون بكل لزوجة " وينك يا مغلدم وينك يا مغلدم!"


التفت بعد ما سمعت إسم الفائز لأرى زوجتي و قد جحظت عيناها مثلي! مغلدم هو جارنا اليائس الذي يتحلطم دوماً عن حظه التعيس و حياته البائسة، كيف حصل على مليون دينار دفعة واحدة؟ ما الذي نفخ في صور حظه التعيس و حوله الى مليونير؟


وقف مغلدم على المسرح و هو متهندم ببذلة خضراء و قميص مقلم اصفر، مسك مايكرفون مسفع و قال و هو يحاول ان يرفع حاجباه المتدليان بكسل فوق عينيه الناعستين "اااااا احب ان اشكر بن مسلول و اجبانهم، و اشكر اهلي و الكل!"


ثم عم الصمت، سكت مغلدم و هو يتأمل حذائه و يمسحه بتوتر خلف ساقه، قفز مسفع و خطف المايكرفون من يد مغلدم و قال" مغلدم، ما هو اول شيء ستقوم بشراءه بعد الجائزة؟" ثم دس المايكرفون قرب انف مغلدم " اااا، لا اعلم، ربما سيارة و بيت جديد، و لكن المليون لن تكفي!!!" اتسعت عينا مغلدم الناعستان من هول مفاجأة ما اكتشفه في لحظتها. انطلقت ضحكات من الجمهور، ثم تمتم مسفع في المايكرفون " نشكرك يا مغلدم نشكرك، هيا توجه الى الكواليس ليعطوك الشيك المصدق من ألبان و أجبان بن مسلول"، مشى مغلدم بكتفيه المقوسين و اختفى خلف الستائر الحمراء.


نهضت زوجتي بحركة سريعة متجهة الى مدخل البيت، قلت لها "ماذا حصل؟ اين انتي ذاهبة؟" ردت بعجل" سأذهب الى حميراء زوجة مغلدم لأسلم عليها و ابارك لها!" قلت لها" ماذا عن باقي المسابقة؟" قالت "لا يهم، اياك ان تنسى تنظيف الطاولة، هاه!! اياك! "


هززت رأسي ببطء و استلقيت على الكنبة و رفعت قدماي اتأمل اصابعها و احركها لأعد عليها كم شخص في حياتي أدين له بمبلغ من المال، و كل ما قلت اسم دائن احاول ان اثني اصبع قدمي و اكتشف انه لا ينثني جيداً فأضحك و اعيد الكرة، بالطبع الدائنين اكثر من عدد اصابعي، و لكن تلك هي وسيلتي لتذكر مصائبي و الضحك عليها لأهون عن نفسي. مازال مسفع يصيح في الشاشة و انا استمع له بدون مشاهدة، حتى قال اسم الفائز الثاني " قارون بن سلفة"، انتفضت في مكاني كالملسوع، من الذي زج بإسمي في تلك المسابقة، و كيف فزت فيها!


اعاد مسفع نفس مشهده السابق، يدور في دوائر و يقول اسمي بشكل محموم! و انا وثبت على قدماي ادور و ادور مثله لا اعلم اين اذهب، الى ان سمعت مسفع يقول "يبدو ان قارون غير موجود، راحت عليه! هيا لنسحب اسماً اخر، من يا ترى من يا ترى؟"

و انا وقعت على الأرض!


النهاية


 

هذه القصة القصيرة كانت رداً على تحدي كتابي في العدد الأول "يمكن" من "المجلة الإبداعية" التي نشرتها الكاتبة سعدى، و هذا كان مضمون التحدي


ما هو رأيكم؟ افوز و الا ما افوز؟


٥٦ مشاهدة

أحدث المقالات

للاشترك في النشرة البريدية

للإشترك في النشرة البريدية

bottom of page