في يوم ٢٣ اغسطس، ترجلت من سيارتي الساعة الثامنة صباحاً متجهة الى مكتبي لأبدا يوم عمل جديد، أثناء مشيي تلك المسافة القصيرة الى باب، ضربت في مخي فكرة مثل الصاعقة، او ما تطلق عليه غريتشن روبن عرابة تغيير العادات "the lightening bolt" ، قررت بعدها قرار لا رجعة فيه و نفذته فور دخولي الى المكتب!
قررت أن احذف جميع وسائل التواصل الاجتماعي من حياتي، ليس لأسبوع، و لا لشهر، و لا لستة أشهر، سأحذفها للأبد!
دخلت بكل قواي العقلية و حذفت حساباتي في انستغرام و تويتر و سناب شات حذفاً كامل بجميع محتوياتها، الى الأبد!
لماذا و كيف اتخذت هذا القرار الذي قد يبدو مفاجئاً، و لكنه غير مفاجئ لي او للمقربين مني، إليكم التفاصيل
مرحلة الإدمان
في الفترة الحالية، مع كثرة التوتر و ضغوطات الحياة، متنفسي الأسهل و الأقرب ليدي هو هاتفي الجوال، اقلب فيه و احرك الشاشة لا شعورياً، يحفزني تدفق الدوبامين في دماغي الذي يعطيني شعور بالراحة المؤقتة و يزيل شعور التوتر و القلق.
دائماً ما ارى نفسي انسانة معتدلة و عقلانية في جميع نواحي حياتي، و كان من المخجل جداً ان اعترف امام نفسي اني في هذه المرحلة من حياتي "مدمنة"!
نعم، مدمنة على استخدام هاتفي الجوال, ادمنت تحريك اصبعي على الشاشة بلا وعي، مشاهدة الغث و السمين من المحتوى بدون ان انتج انا محتوى مفيد، اتلقى من الاخرين فقط بدون وعي و لا هدف.
أمر بمرحلة صعبة في حياتي، تكالبت علي بعض الظروف العصيبة مع بعض المشاكل النفسية و أشياء اخرى، جعلتني أهرع لأسهل الحلول لتخدير عقلي و الهروب من الواقع. و بطبيعة الحال هذا أثر كثيراً على علاقتي مع نفسي و صحتي و أطفالي و عملي:
أصبحت مشتتة الذهن كثيراً
لا أستطيع أن أقوم بمهام تتطلب الكثير من التركيز مثل قراءة كتاب لوقت طويل أو الدراسة أو الكتابة.
يتسرب الوقت من بين يدي و لا أعلم كيف أنتهى يومي بهذه السرعة، و أعتقد دائماً ان وقتي مافيه بركة.
كان لدي ما يسمى بـ Fear of Missing Out "FOMO"i او الخوف من أن يفوتني شيء! ما الذي يمكن ان يفوتني؟ لا أعلم و لكن كنت اتابع كل شيء و أي شيء و اللا شيء و كل ما يخطر على بالكم!
وقتي الثمين و النوعي مع أطفالي أصبح أقل، لا ألعب معهم كما كنت في السابق، و دائماً شعور بالذنب شديد يأكلني لأنني أمثل لهم مثال غير جيد، و هذا أكثر ما كان يضايقني في موضوع الإدمان هذا و ربما هو السبب الأول الذي دعاني الى إتخاذ مثل هذا القرار.
القشة التي قسمت ظهر البعير
ما الذي غير المعادلة و جعلني أحذف الحساباتي نهائياً؟
القشة التي قسمت ظهر البعير هي عندما اصبحت اشاهد بشر غير مهمين ابدا في حياتي و اعرف تفاصيل حياتهم، و لسان حالي يقول "من انتم كي تحتل تفاصيل حياتكم مساحة في عقلي و ذاكرتي؟"، و عقلي يزخم و يزدحم بالمعلومات العجيبة و الأخبار التي لم أسعى لها و لا تهمني البتة!
إليكم بعض المشاهد البسيطة التي تظهر لي، و اعتقد تظهر لكم جميعاً، في الصفحات الرئيسية او ما تسمى بالـ explore:
انستغرام
شخص يدعي انه خبير اقتصاد يعطيك معلومات سريعة عن كيفية زيادة دخلك عن طريق اليوتيوب، بخلفية موسيقية مستفزة و كتابات سريعة مشتتة لا تستطيع قرائتها، هل اريد ان ازيد دخلي عن طريق يوتيوب؟ انا لا املك قناة يوتيوب اصلا!! معلومات غير مهمة نبدأ بها يومنا !
تلك ذهبت الى مقهى جميل و صورت قهوتها، عظيم لقد صرفت ٥ ثواني من وقتي و باقة الانترنت لدي حتى ارى كوب قهوتك الذي يشبه كوبك الذي صورته بالأمس، بالضبط نفس الكوب و لكن بإضاءة مختلفة، رائع هذه معلومات غير مهمة أخرى!
هذه مشهورة لطيفة سافرت الى المالديف و تشاركنا جلستها على البحر و هي ممسكة بقبعتها القش الكبيرة و اظافرها مصبوغة باللون الأبيض و ترتدي نظارة شمسية تغطي نصف وجهها، اضغط على الصورة و ارى التاق، ماركات لا تطولها الا من هم مثلها، ما المهم في ذلك؟ هذه ٥ ثواني اخرى من وقتي صرفت في شيء لا يعنيني في شيء!
صورة بهارات منثورة مع معلومات طبية مبالغ فيها عن أهمية ملح اليود و الكركم و الزنجبيل البنفسجي المخطط في القضاء على ديدان البحر المتوسط و ارتشاح الطحال الغليظ*، كلها تراهات لا اساس علمي لها! معلومات اخرى مغلوطة و غير مفيدة و استهلكت وقتي و طاقتي العقلية!
أفضل عشرة وجهات للأطفال في جدة، انا لا اسكن في جدة أصلا!
أطفال يرقصون على أنغام أغنية من فيلم مدغشقر، حسناً مشهد لطيف و جعلني ابتسم، و لكن هذه الأغنية و الرقصة ظلت تظهر لي على مدار شهر كامل بشكل قميء يثير الصداع!
كيف تغير حياتك للأفضل، الوعي العقلي و الاستشفاء الذاتي و كل ما ليس له اساس علمي و لا يمت للحقيقة بصلة!
هل اصابك الصداع من قراءة كل هذه المشاهد؟ حسناً تخيل انك ترى كل هذه الصور و الفيديوهات خلال اقل من ٥ دقائق! قدرتنا على التحمل عظيمة لله درنا!!
سناب شات
هذا البرنامج فيه من الغرابة الشيء الكثير، دعكم من الحسابات الشخصية و العامة للأشخاص الذين يصورون حياتهم و قهواتهم و اطفالهم، لا استطيع أن أتحمل الحسابات التي تظهر لي و تعطيني معلومات عجيبة متنوعة مختلفة بشكل سريع، أعتقد ان جميعكم يعرف عن اي الحسابات اتحدث، و ما يثير استغرابي ان الناس يتداولون الأخبار و المعلومات من هذه الحسابات و كأنها من موسوعة دائرة المعارف.
هناك أيضاً شيء عجيب في هذا البرنامج، انه سهل التخلي عنه، اعرف الكثير من حولي يمقتونه و لا يملكون حسابات فيه لذا سهل علي ان اتخلى عنه انا أيضاً حتى من قبل تاريخ ٢٣ أغسطس!
تويتر
هل رأيتم تغريدات مشابهة؟؟
هل تود معرفة افضل تمارين لتخفيف شحيمات الأذن*؟ تابع هذا الثريد و شاركه مع من ترى ان شحيمات اذنه تحتاج تخسيساً!
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، لقد فزت بجائزة الزبون الذهبي من متجر سعفة دكاكين القصيم* و كل الشكر لمن دعمني!
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، حصلت على رخصة قيادة الإستقلاب الحراري من جامعة مانانا المصنفة الأقوى على مستوى الأكوان السبع*.
هل تود ان تعرف قصة نجاحي من تبرعم خسة صغيرة في حديقة منزلي الى إمتلاكي لسبعة فدادين من الخس؟ تابع هذا الثريد و ضعه في المفضلة.
و غيرها الكثير!
المشترك بين جميع ما يضايقني في كل ما سبق هو أنني اتلقى كمية معلومات رهيبة لا تهمني ابداً، بدأت اشعر بالغيرة على وقتي و طاقتي العقلية، يا له من وقت ثمين و طاقة مهدرة على ترهات!
لماذا احصل على اجابات لأسئلة لم اسألها؟ لماذا اعرف معلومات عن اشخاص لم و لن تتقاطع حيواتنا؟ كم شعرت وقتها بالتوق الى ذهن صافٍ لا يشغله أي شيء سوى عملي و أطفالي و محيطي الصغير جداً فقط، و هذا ما فعلته!
مرحلة الوعي بالمشكلة و محاولة ايجاد حلول
انا واعية بالمشكلة منذ بدايتها و اعرف انني غارقة حتى اذاناي في وحل الإدمان، و جربت الكثير من الطرق للتغلب عليه:
حذفت التطبيقات من الجوال.
قفلت استخدام التطبيقات المشتتة بعد عدد ساعات معينة و طلبت من اختي ان تختار الرقم السري و تحتفظ به عندها.
استخدمت جوال غير ذكي (نوكيا) لفترة.
وضعت الجهاز في وضعية الألوان الرمادية .
استخدمت خلفيات بعبارات تحفيزية.
استخدمت برامج متعددة للحد من استخدام الجوال مثل: برنامج يأخذ من بطاقتك الإئتمانية اذا استخدمت جوالك، برنامج اخر يحذف التطبيقات تماما من جوالك حتى ينتهي الوقت الذي حددته.
و يسرني، او بالأحرى لا يسرني كثيراً، ان أعلن لكم أن كل الطرق السابقة لم تجد نفعاً معي!
أنا ممتنعة "abstainer" و لست "وسطية" "moderator"
في جميع محاولاتي لتغيير عاداتي السيئة أو ادخال عادات جديدة في حياتي، أحاول أن افعلها بوسطية، مثلا:
سوف آكل قطعة واحدة من السكريات مرة واحدة في الاسبوع.
سأقلل الكاربوهيدرات الى ٦٠ غرام في اليوم فقط.
سأتمرن مرتين في الاسبوع.
سأقلل استخدامي لوسائل التواصل الإجتماعي الى ثلاث ساعات يومياً.
طبعا جميعها لا تنفع معي، لأنني اكتشفت انني ممتنعة و لست وسطية، ما يجدي معي هو الإمتناع تماما لأن الوسطية في التقليل او الزيادة في عادة معينة تجعلني أتشتت، هل اليوم هو اليوم الذي أكل فيه الحلى؟ هل اكله غداً؟ هل اكل قطعة ام قطعتين؟ ما الضير في اكل المزيد من الحلى عندما اذهب الى عزيمة جارتي؟ الأسهل علي أن اقطع السكريات تماماً من أن آكلها بوسطية، هذه هي شخصيتي و هذا ما يجعلني ألتزم، لا تشتت و لا تردد.
لذا كان قرار حذف حساباتي تماما من مواقع التواصل الإجتماعي هو الحل الأنسب لمعضلتي الأزلية، و قد فعلت!
حياتي خلال ٣٥ يوماً بدون وسائل تواصل إجتماعي، ماذا تغير؟
أصبحت أكثر تركيزاً في حياتي و في يومي.
زاد عدد ساعات تركيزي في العمل تركيز تام Deep work الى اربع ساعات خلال يوم، و بالأمس وصلت حتى ست ساعات، أليس ذلك عظيماً؟
انتظمت على جدول يومي رائع، رياضة يومية و اكل صحي، و خسرت ٣ كيلوغرامات بسبب ذلك.
انهيت قراءة/سماع كتابين.
لعبت كثيراً مع اطفالي.
أصبحت أنهي مهامي المنزلية من غسيل ملابس و تنظيف و ترتيب أسرع من السابق، يساعدني في ذلك سماع كتاب صوتي أثناء العمل، و "أهو عصفورين بحجر"!
تقلصت عدد ساعات استعمال هاتفي الجوال من ١٠ (يا للخجل) الى ٤ ساعات، بين مكالمات فيديو و اجتماعات زووم و واتس اب.
سمعت و تعرفت على الكثير من قنوات البودكاست الشيقة.
اصبحت الدقائق و الساعات في يومي اطول بكثييير من السابق!!
تحسن نومي و صرت أنام نوماًِ عميقاً و استيقظ مرتاحة اكثر من السابق.
سعيدة بإختفاء ضوضاء المعلومات الذي كنت اتلقاه سابقاً من وسائل التواصل الإجتماعي، لا أعرف أي شيء عن كل شيء، كم هو مريح هذا الشعور!!
أستطيع أن اقول انني الان اكثر سعادة، و لا اعتقد ان هذا طريق فيه رجعة ابداً، على الأقل في هذه المرحلة من حياتي!
انصحكم بتجربة التخفف من وسائل التواصل لأن الشعور لا يوصف!!
اذا كانت لديكم تجارب مشابهة شاركوني اياها يا رفاق!
* هذه كله من اختراعي، لا تحاول البحث عنها.
**صور الكلاب لإضافة نوع من الظرافة cutness لا أكثر، و هل هناك ماهو أظرف من كلب ال pug المجعد؟
Komentar