top of page
  • صورة الكاتببثينة اليوسف

ماذا يعني ان تنتظر مولوداً في خضم جائحة كورونا! (مذكرات)

تاريخ التحديث: ٨ مارس ٢٠٢١



هناك شئ مشترك بين بعض أفلام نهاية العالم، مثل فيلم A Quiet Place و فيلم Children of Men و أيضاً مسلسل The Walking Dead و هو : وجود إمرأة حامل تنتظر مولوداً!!




كنت أتسائل أثناء المشاهدة ما اللذي كانت تفكر به تلك المخبولة عندما قررت أن تنجب في هذا الوقت الصعب!

و هاهو الزمن يدور و أصبحت أنا تلك المخبولة التي تنتظر مولوداً في وسط جنون عاصف من الرعب و التكهنات و التغييرات الجذرية للبشرية بسبب فايروس كوفيد ١٩ !


و لأن الحدث غير اعتيادي، قررت أن أكتب هذه التدوينة كمذكرة شخصية لحملي في هذا الوقت من التاريخ!

ملاحظة: جميع الأحداث حصلت في مدينة ملبورن في أستراليا.


قبل الجائحة:

- عرفت بحملي في الثلث الثاني من عام ٢٠١٩، و كان اليوم المتوقع لولادتي هو ٢٣ أبريل ٢٠٢٠ الموافق ١ رمضان!

صدمت بتاريخ الولادة! كيف غاب عن بالي أن أخطط لحملي بعيداً عن رمضان و لخبطة الصيام و القضاء؟ تقبلت التاريخ و أصبح فكاهتي عندما أخبر أحداً بحملي، لا سيما اني أنا ولدت في الثالث من رمضان، و كنت أعتقد أن طفلي هذا يرد لي ما فعلته بأمي المسكينة قبل ثلاثة عقود!


-اخترت طبيبتي بعناية، نفس طبيبتي التي أشرفت على حملي و ولادتي بإبنتي دانة، دكتورة جيني انسانة لطيفة المعشر و لديها ابتسامة مطمئنة و سعة بال للرد على جميع أسئلتي و استفساراتي اللامنتهية.


- و لأني مولعة بالتخطيط و أحب ان تمشي حياتي وفق نظام مرتب له مسبقاً، قررت منذ بداية معرفتي بحملي انني لن أتعب والدتي و اخوتي معي هذه المرة، لا أريدهم ان يأتوا الى ملبورن لمساعدتي، سأضع مولودي و بعد شهر سأسافر إلى الرياض لأقضي معهم ما تبقى من رمضان أو العيد. و لكن ما العمل مع الإشتياق لوالدتي؟ لن أستطيع ان أصبر عنها أكثر من سنة!

قبل نهاية شهري الثاني في الحمل، حصلت على قبول لتقديم بعض من أبحاث الدكتوراه في مؤتمر علمي في بلجيكا، تلك كانت الفرصة الذهبية للقاء والدتي الحبيبة و قضاء إجازة ممتعة معها، جهزنا الرحال و انطلقت انا و هي و ابنتي في رحلة لأوروبا لمدة اسبوعين، كافحت فيها قرف الوحام و توتر المؤتمر و عشنا أيام جميلة مبهجة (شكراً أمي :) )


- إذاً سأبقى لوحدي بدون عائلتي هذه المرة ! كيف سأتغلب على التعب و على الضغط النفسي و الدراسي؟ خصوصاً أنني عانيت سابقاً من اكتئاب ما بعد الولادة بالرغم من وجود أهلي و زوجي حولي!

قررت انه لابد ان أطلب المساعدة، و من بداية حملي اخترت الذهاب لطبيبة نفسية لمتابعة حالتي النفسية و مساعدتي في التخلص من التوتر و مكافحة الإكتئاب قبل حدوثه. و كان هذا أفضل قرار اتخذته!


- وضعت خطة دراسية محكمة لإنهاء جزء وفير من أبحاثي و رسالتي قبل قدوم المولود، راجعتها مع مشرفتي و كنا نعمل سوياً لإتمامها.


- كيف سيكون وضعي في البيت؟ رتبت خطة ليومي بعد الولادة: دانة في حضانتها، انا في المنزل مع المولود، ربما سأطلب مؤونة من الطعام المفرزن لأول عشرة أيام حتى لا اتعب نفسي و زوجي بالطبخ.

سأقضي اوقات فراغي و نوم طفلي بالراحة او المشي في الحديقة، سأخرج لشرب قهوة الصباح مع زوجي او صديقة كل اسبوع و سأستقبل صديقات الغربة في المنزل كلما سنحت الفرصة بذلك.


- وصل بي الأمر أن أخطط كيف سأعود للرياض مع طفلين لوحدي، كيف سأرتب اغراضي و أي خطوط طيران أختار و أين أختار مقعدي انا و طفلتي، هل نتوقف في دبي أم في ابوظبي، و كم ساعة من التوقف سأتحمل!


- اخترت المواقع التي سأطلب منها ملابس المولود، وضعت ما يعجبني في السلة و اخترت ما الذي سيلبسه في الإستقبال في الرياض و اخترت افضل و أخف مقعد سيارة و عربية يمكن حملهما في السفر!


وباء يلوح في الأفق:

في ديسمبر بدأنا نسمع في الأخبار عن فايروس عجيب يجتاح الصين، لم أكترث كثيراً للخبر لأنني كنت مشغولة جداً و ليس من عادتي قراءة الأخبار، و لكن زوجي كان متابع بشكل يومي لأخبار الفايروس!

كل يوم يخبرني بالمستجدات عنه و عن الحظر الحاصل في ووهان و الوفيات، بدأت الجامعات الأسترالية تتخذ اجراءات لتسهيل دراسة الطلاب الصينيين المحجورين في مناطق الوباء، و الحكومة الأسترالية تمنع دخولهم لأراضيها حتى يتمون حجر ١٤ يوم في دولة لا يوجد بها الوباء!

سمعنا عن خبر أول إصابة في استراليا في نهاية يناير ٢٠٢٠، و بدأ بالأنتشار رويداً رويداً حتى وصل الى ولايتنا!

نُشر خبر في فبراير ان طبيباً يعمل في عيادة قريبة من منطقة سكني عاد من رحلة للولايات المتحدة و تم تأكيد اصابته بالفايروس، و كان قد عالج ٧٠ مريضاً قبل ان يكتشف إصابته التي كانت بلا اعراض واضحة في البداية!


هنا بدأنا نحس ان الخطر قريب، و يمكن ان يصيبنا، فقد وصل الى أوروبا و السعودية و معظم منطقة الخليج أيضاً!


في ١١ مارس، أعلنت منظمة الصحة العالمية ان الوباء أصبح جائحة عالمية:

خيم علينا الخوف و الترقب منذ ان دوى ذلك الإعلان!

كنت اتابع الأخبار انا و زوجي منذ الصباح و حتى النوم! أرواح تحصد في أيطاليا، إجتياح عارم في أسبانيا، حالات جديدة بأرقام هائلة، صور لأطباء و ممرضين بوجوه ذابلة من التعب!

تعليمات جديدة و إجراءات و تصريحات حكومية تتغير خلال دقائق! جنون شراء الأكل و "مناديل الحمام" و صور رفوف السوبرماركت الفارغة في استراليا كانت مخيفة!

بدأت ابحث عن صديقاتي في الدول الأكثر تأثراً بالجائحة، عبير في إسبانيا، سارة في فرنسا، الاء و سارة و ياسمين في بريطانيا، كيف هي احوالكن و ما هي اخباركن؟ أرجوكن أبقين في بيوتكن و دعونا نتشارك الأخبار و نسعد بعضنا بالتواصل!


بعد ذلك بأيام قليلة، في ١٤ مارس، أحسست بآلام المخاض، ذلك لا يعقل، لأني مازلت في بداية الشهر الثامن!

شككت و قلت مؤكد انه إنذار كاذب! تجاهلت الألم لساعات حتى اشتد و اصبح متقارب جداً!

تواصلت مع المستشفى و أكدوا لي بأن هذه ولادة محتملة، كان هذا هو الشيء الوحيد الذي لم يكن بالحسبان، حتى انني لم أرتب شنطة المستشفى! وضبتها على عجل، رميت الأغراض فيها كيفما اتفق، ذهبت أنا و زوجي و ابنتي للمستشفى، استوقفونا عند الباب قائلين أن دخول الأطفال ممنوع بسبب الجائحة!



قضيت هناك ليلتين وحيدة، و تم إيقاف الولادة بنجاح، لأن الجنين مازال صغيراُ و يحتاج البقاء بداخلي عده اسابيع.

اثناء بقائي في تلك الغرفة الصغيرة، تعرفت على ممرضتين لطيفتين: ميراندا و ميغن، ميراندا أم عزباء لستة أطفال و تشتكي انها بعد مناوبتها لا تجد ما تشتريه لتطعم صغارها بسبب جنون الشراء الحاصل في ذلك الوقت، و ميغن

ممرضة عازبة من ايرلندا، خائفة ان ينتقل لها المرض و تعدي مريضاتها و الأطفال أو حتى تعدي زميلتها في السكن!

ميغن كانت متوترة كعصب مشدود و تحكي لي عن مشاعرها في كل مرة تدخل علي الغرفة، اخذت على عاتقي ان اطمئنها طيلة مناوبتها تلك، و احاول ان اجعلها تضحك في كل مرة تدخل علي!


نهاية مارس، خوف مخيم على البشرية

بعد خروجي من المستشفى، توجهت الى المنزل و كلي شوق لرؤية صغيرتي، ركبت مع سائقة اوبر متفائلة جداو خفيفة ظل، تقول انظري إلي، انا لا ألبس كمامة و لا اهتم لهذا المرض، اذا اصابني و شفيت منه فهذا أمر جيد و إن لم انجو فذلك قدري!

ضحكت معها و تمنت لي ولادة سليمة، و عندما اقبلنا على مقر سكني وجدنا ان العمارة محاطة بشريط اصفر و الشارع بأكمله مغلق بسيارات الشرطة، نزلت من السيارة متجهة الى مدخل العمارة فمنعني الشرطي قائلاً ان المبنى مغلق لحادث جنائي، شاب عشريني يسكن في الطابق الخامس عشر رمى نفسه - منتحراً - و وقع على مدخل المبنى!

الحادثة- بالرغم من انها لا تمسني شخصياً- تركت اثرها فيني، ما هذا الذي نحن مقبلون عليه؟ المجهول هو ما يرعبني، و ردات فعل الآخرين تشتتني!

مالذي يجب ان أحس به في هذه الظروف؟ ترقب و خوف من الوباء ام الحماس لقدوم مولودي؟


أفعل ما يمكنك التحكم به، و دع عنك ما ليس لك عليه سلطان

بعد خروجي من المستشفى، تعاونت معي آن ماري، أخصائيتي النفسية، لتساعدني على تخطي التوتر خلال الجائحة من خلال:

١. التركيز على ما استطيع التحكم به و اتجاهل كل ما ليس لي تحكم فيه مثل انتشار الوباء، تعامل الحكومات معه، الوضع الإقتصادي في العالم، جزء من هذا التحكم ان اقلل متابعتي لنشرات الأخبار و المواقع الإخبارية.

٢. ممارسة العيش بوعي او ما يسمى ب mindfulness كما هو مذكور بالتفصيل هنا.


نهاية مارس و حتى موعد ولادتي يوم ١٧ ابريل

حاولت ان آخذ الأمور بروية و هدوء، رتبت انا و زوجي المنزل استعداداً لقدوم الصغير و شاهدت الكثير من الأفلام على نتفليكس، و لم يكن من ضمنها ذلك الفيلم الوثائقي عن الجائحة الذي تلح علي لوغاريتمات نتفليكس ان أشاهده!!

تحدثت مع امي و صديقتي بمكالمات فيديو يومية اضافت البهجة لأيامي التي كانت مليئة بالترقب، اشغلت نفسي بالرسم و نسخ بعض اللوح المشهورة، و خبز كيكات مع دانة!





اليوم هو اليوم المنتظر! اكتب حالياً و انا في انتظار ان تدخل علي الممرضة في أي لحظة لأخذي الى غرفة العمليات لنستقبل طفلي الصغير!


تحديث ١٧ مايو ٢٠٢٠

كتبت هذه التدوينة على عجل فجر ١٧ ابريل، و رزقني الله بعدها بساعات صغيري منصور!

استغرقت هذه التدوينة المكتملة شهر كامل لنشرها، و كل ما كنت احتاجه هو ضغطة زر!

هذا مؤشر لمدى انشغالي بمنصور و دانة حالياً، و في جعبتي الكثير عنه، ربما انشره في مذكرات قادمة.

جميع الصور-ما عدا صورة الفيلم- بعدسة راكان


٦٦٤ مشاهدة

أحدث المقالات

للاشترك في النشرة البريدية

للإشترك في النشرة البريدية

bottom of page